السؤال :
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من باع دارا أو عقارا ، ثم لم يجعل ثمنه في مثله لم يبارك له فيه " وقد صححه الشيخ الألباني رحمه الله ، أرجو التفصيل في معنى الحديث ، بما في ذلك معنى البركة في قوله صلى الله عليه وسلم " لا يبارك له فيه" ، ومعنى " جعله في مثله" ، هل هو شراء دار أخرى فقط أم يدخل فيه بناء دار أخرى أو تعمير أرض أخرى؟ ولماذا لا يفهم من الحديث تحريم استخدام ثمن الأرض في غير شراء أرض أخرى أو بناء دار في أرض أخرى أو تعمير أرض أخرى ؟ أفيدونا بالتفصيل والأدلة ، جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
الحديث المشار إليه رواه الإمام أحمد (17990) وابن ماجة (2481) عَنْ سَعِيدِ بْنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ بَاعَ دَارًا أَوْ عَقَارًا فَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهِ كَانَ قَمِنًا أَنْ لَا يُبَارَكَ لَهُ فِيهِ ) .
قَوْله: " قَمِنًا " أَيْ جَدِيرًا وَخَلِيقًا.
ورواه ابن ماجة (2482) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ بَاعَ دَارًا وَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهَا لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهَا ) .
والحديث حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (5/326) بمجموع طرقه وشواهده .
قال المناوي رحمه الله في معنى الحديث : ( من باع داراً..) لأنها ثمن الدنيا المذمومة وقد خلق اللّه الأرض وجعلها مسكناً لعباده ، وخلق الثقلين ليعبدوه ، وجعل ما على الأرض زينة لهم: ( لنبلوهم أيهم أحسن عملاً ) ، فصارت فتنة لهم ( إلا من رحم ربك) فعصمه ، وصارت سبباً للمعاصي فنزعت البركة منها ، فإذا بيعت وجعل ثمنها متجراً لم يبارك له في ثمنها ، ولأنه خلاف تدبيره تعالى في جعل الأرض مهاداً .
وأما إذا جعل ثمنها في مثلها فقد أبقى الأمر على تدبيره الذي هيأه له ، فيناله من البركة التي بارك فيها ، فالبركة مقرونة بتدبيره تعالى لخلقه..." انتهى من "فيض القدير"(6/119)
وقال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: " وكأن ابن عيينة انتزع فيه أنه وجد الله عز وجل يقول " وبارك فيها وقدر فيها أقواتها " يعني الأرض فكان من باع داراً أو عقاراً فقد باع ما بارك الله عز وجل فيه ، فعاقبه بأن جعل ما استبدله به يعني مما سواه من الآدر والعمارات غير مبارك له فيه ، والله عز وجل نسأله التوفيق " انتهى من "بيان مشكل الآثار"(9/206)
وقال الملا علي القاري : " قَالَ الْمُظْهِرُ: " يَعْنِي: بَيْعُ الْأَرَاضِي وَالدُّورِ وَصَرْفُ ثَمَنِهَا إِلَى الْمَنْقُولَاتِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ، لِأَنَّهَا كَثِيرَةُ الْمَنَافِعِ قَلِيلَةُ الْآفَةِ لَا يَسْرِقُهَا سَارِقٌ وَلَا يَلْحَقُهَا غَارَةٌ بِخِلَافِ الْمَنْقُولَاتِ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُبَاعَ وَإِنْ بَاعَهَا فَالْأَوْلَى صَرْفُ ثَمَنِهَا إِلَى أَرْضٍ أَوْ دَارٍ " انتهى من مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ( 5/1983)
وأما قوله: "جعله في مثله " أي يشتري بها داراً أو عقاراً ؛ لأن بالدور والعقار تُحي الأرض الميتة ، ولا فرق بين أن يشتري داراً عامرة أو أرضاً ثم يقوم بعمارتها لحصول المقصود ، وهو إحياء وإعمار الأرض الميتة.
قال المناوي رحمه الله: " لأن الإنسان يُطلب منه أن يكون له آثار في الأرض، فلما محى أثره ببيعها رغبة في ثمنها جوزي بفواته.." انتهى من "فيض القدير شرح الجامع الصغير"(6/121)
وهذا الحكم ، ما لم يكن في بيع العقار أو الدار ضرورة ، فإن كان بيعها ضرورة ، كأن يكون عليه دين قد حل أجله أو غير ذلك .. وليس عنده إلا هذه الدار فلا يدخل في الحديث، بل يجب عليه بيعها وتسديد دينه.
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب